بسم الله الرحمن الرحيم
جامعة الخليل
كلية التربية
تقرير بعنوان:
التجربة اليابانية
إعداد الطالبة
كيان الصانع
21020122
اسم المساق: إدارة وإشراف تربوي
2011
استمد نظام التربية والتعليم الياباني قوته في روحه وصرامته وتصميمه على الكسب والتحصيل من روح الأمة اليابانية التي تملك هذا الحس الرفيع من حسن التلمذة الدائمة إلى القدر الكبير من الفضول المعرفي الذي يدفعها لاستطلاع ما لدى الآخرين من معارف وتجارب، بالإضافة إلى أن التعليم في اليابان يعتبر خدمة وطنية عامة وواجباً قومياً يتجاوز أي جهد فردي أو فئوي خاص، فمنذ مراحل التعليم الإلزامية الأولى لا يُسمح فيه بتعددية المناهج والفلسفات التربوية، كما أن اليابان لم تؤخذ ببريق الدراسات النظرية الغربية من فلسفات وحقوق وإنسانيات وانصرفت إلى تأسيس قاعدتها العلمية التقنية الصناعية، ولا يزال التعليم المهني مقدماً على النظري، ونقطة القوة الأساسية في النظام التربوي هناك ليس جامعات وإنما معاهد التقنية المتوسطة التي تمثل عموده الفقري (التي مثلت وتمثل في الوقت ذاته نقطة الضعف في النظم التربوية العربية ا
تعتبر اليابان من ضمن مجموعة الدول الصناعية السبع في العالم، و تدل المؤشرات الاقتصادية أنها ثاني أقوى دولة صناعية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، و تفوقت الكثير من المنتجات اليابانية على نظيرتها الأمريكية داخل الأسواق الأمريكية نفسها نظراً لمميزاتها الإيجابية، و تجاوزت بكثير الدول الصناعية العريقة (الأوروبية) رغم ما تعرضت له من دمار أثناء الحرب العالمية الثانية، و رغم الضغوطات و القيود التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على اليابان بعد الحرب العالمية الثانية خاصة و مرحلة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي بزعامة الاتحاد السوفييتي و الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، و رغم فقدانها للثروات الطبيعية و صعوبة السطح إلا أنها استطاعت تجاوز هذه العراقيل في مدة زمنية قصيرة حتى أصبح يطلق عليها اسم المعجزة اليابانية.
الإدارة اليابانية و نظرية ز:
قبل الدخول بتفاصيل و أبعاد و عناصر الإدارة اليابانية لا بد من التطرق إلى الخصائص العامة للفرد و المجتمع الياباني بشكل عام، حيث تعتبر الركيزة الأساسية لنجاح النموذج الياباني في الإدارة، حيث أن أوتشي أطلق في هذه الكتاب من تلك الخصائص و السمات التي يتصف بها المجتمع الياباني في الإدارة و مدى انعكاسها على الجانب الوظيفي و العملي داخل المؤسسات و الشركات اليابانية و التي أدرجها تحت عنوان حاجتنا إلى التعلم.1-
الثقة: فالدرس الأول في نظرية ز هو الثقة و ربطها بالإنتاجية بين مختلف القطاعات في المجتمع من مؤسسات و نقابات و غيرها، و كذلك اتباع النظام الإداري الموسع الذي يؤكد المحافظة على جو الثقة بين العاملين و ينعكس على مشاركة العاملين في الإدارة و الذي يعتبره أوتشي أساس الارتقاء بمستوى الإنتاجية.2-
الرقة و التهذيب و حدة الذهن: أو ما يمكن تسميته بالحذق و المهارة، و جميع هذه الصفات مشتركة بين أفراد المجتمع و التي تنعكس على الكفاءة و الفاعلية في العمل.3-
الألفة و المودة: و هي رابطة مشتركة في الحياة اليابانية لما تنطوي عليه من اهتمام و دعم للآخرين و من مشاعر الانضباط و عدم الأنانية التي تمكن المرء من العيش الآمن من خلال إقامة العلاقات الاجتماعية الوثيقة و التي تنعكس على الأفراد بالاستقرار و على المنظمات بالإبداع و الابتكار.
و من السمات السابقة تبرز مشاعر الولاء و الانتماء و الشعور بالمسؤولية الجماعية تجاه الآخرين و تجاه العمل و المؤسسات بشكل عام.
و من الجدير بالإشارة أن المجتمع الياباني متماسك و مترابط و يسعى إلى تحقيق المصالح الجماعية من قبل الأفراد لقناعتهم بأن النفع سيعود على الجميع.
التعريف بنظرية ز:
باختصار يمكن تعريف هذه النظرية على أنها: نموذج إداري ياباني يجمع مفاهيم و أنماط مختلفة وضعها العالم أوتشي من خلال مقارنته للمنظمات اليابانية و الأمريكية بكافة الأبعاد و يفسر هذا النموذج الأسباب الكامنة وراء نجاح المنظمات اليابانية. و سنعرف أهم أبعاد هذا النموذج من خلال تحليل خصائص و مميزات المنظمات اليابانية و ذلك لربط النظرية بالجوانب العملية.
خصائص المنظمات اليابانية:
اتسمت المنظمات اليابانية بعدة خصائص انفردت بها، و كان من الأسباب الرئيسية لنجاحها و تفوقها ما يمكن إجماله بما يلي:1-
الوظيفة مدى الحياة: أهم خاصية تتميز بها المنظمة اليابانية هي توظيف العاملين لديها مدى الحياة، و هذه أكثر من مجرد سياسة بل تعتبر القاعدة التي تقوم عليها العديد من أوجه الحياة اليابانية و لذلك نجد أن هذه السمة تنعكس على الأداء الوظيفي للعاملين و تزيد من إنتاجيتهم و إبداعهم لما يتمتع به هذا النظام من استقرار وظيفي و نفسي ينعكس على الفرد بآثار إيجابية مختلفة، كما و ينتج عن هذه الفلسفة فوائد عديدة منها:1-
حصول الأفراد على مكافأة نهاية المدة بعد سن التقاعد و التي تعتبر وسيلة لضمان حياة كريمة.2-
نظام المكافأة المستخدم كل ستة شهور أو سنة.2-
التقييم و الترقية: هناك جزء كبير من خصائص التنظيم الإداري الياباني تتعلق بطرق التقييم و الترقية، حيث يتميز نظام الترقية بالبطء مما يؤدي إلى تحقيق الانفتاح و دعم ميول الأفراد للتعاون و رفع مستوى الأداء، حيث أن النظام ينطوي على أن الأداء السليم لا بد أن تظهر نتيجته التي يستفيد منها الجميع في نهاية المطاف.3-
مسارات الحياة الوظيفية غير المتخصصة: و هي تفسير لعملية البطء في الترقية حيث أن العامل الياباني ينتقل من مسار إلى آخر في المنظمة مما يعني زيادة مستوى اطلاعه و مهاراته و معرفته الشاملة لكافة أبعاد العمل و طبيعة العلاقات المختلفة بين الوظائف و كذلك قدرة الموظفين للقيام بأعمال بعضهم تؤدي إلى عدم توقف العمل في حال غياب أي فرد. 4-
مقومات العمل في المؤسسة اليابانية: إن تميز الإدارة اليابانية و تميز الشركات اليابانية من الناحية الدولية بلا شك يقف وراءه الكثير من المقومات الداخلية و الخارجية وهي:1-
الرقابة الضمنية: حيث أن وسائل الرقابة الإدارية في الشركات اليابانية تتصف بقدر كبير من الخبرة و المفاهيم الضمنية و الأمور الداخلية لدرجة تبدو معها و كأنها ليست موجودة بالنسبة لأي شخص غريب و لكن العمليات الإدارية في حقيقة الأمر عملية متكاملة و بالغة الانتظام و تحتاج إلى قدرات خاصة و بنفس الوقت تتسم بالمرونة. و نستنتج من ذلك أن استخدام الرقابة الضمنية يؤثر كثيراً على العامل النفسي للعاملين بالإنتاج و الثقة و بالتالي تحقيق الكفاءة و الفعالية في الأداء و هو بطبيعة الحال ما يميز الإدارة اليابانية.2-
الثقافة التنظيمية: و يمكن ملاحظة هذه السمة من خلال مختلف الممارسات و السلوكيات للعاملين سواء كانوا مدراء أو موظفين و كذلك تمييزاً لأهداف التنظيم من ناحية و تحقيقاً لرغبات و توجهات الإدارة من ناحية أخرى. و من المعروف أن الثقافة التنظيمية ذات أثر كبير على معتقدات و أفكار العاملين, الأمر الذي ينعكس على مدى التزام و ولاء العاملين لعملهم.3-
طريقة اتخاذ القرار: من أهم الخصائص التي تميز الإدارة اليابانية طريقة المشاركة في اتخاذ القرارات بحيث يتم إشراك كل من سيتأثر بهذا القرار, و هذا بدوره يعني تحمل المسؤولية من قبل من يشارك في اتخاذ القرار, لذا فإن صنع القرار يمثل الوصول إلى القرار الأفضل و بنفس الوقت تحمل المسؤولية و تحقيق الولاء لهذا القرار بقبوله و تنفيذه بشكل جيد, و هذا ينعكس على مدى نجاح القرار و موضوعيته.4-
القيم المشتركة: و يمكن أن تكون هذه الميزة من أصعب الجوانب فهماً في الإدارة اليابانية و خصوصاً من قبل الغرب و هي الاهتمام القوي بالقيم الجماعية الموحدة و الشعور الجماعي بالمسؤولية, و يمكن النظر إلى هذه السمة من منظورين مختلفين تماماً:1-
المنظور الأول: التزام بالقيم الجماعية المشتركة من المفارقات التي لا تتفق مع الواقع الصناعي و لكنها تؤدي في الوقت ذاته إلى تحقيق النجاح الاقتصادي بالرغم من تقييد الإبداع و عدم وجود حوافز التمييز لدى الفرد لوحده و طمس الشخصية و فقدانه الحرية بسبب التمسك بالقيم الجماعية.2-
المنظور الثاني: هو أن العمل الجماعي الياباني يتسم بالكفاءة الاقتصادية لأنه يحمل الناس على العمل المشترك و تشجيع الأفراد لبعضهم في سبيل بذل أفضل الجهود و الوصول إلى أفضل النتائج لا سيما و أن الحياة الصناعية تتطلب وجود العلاقات المتشابكة و المتكاملة بين العاملين ببعض و يبقى المعنى الأسمى للعمل الجماعي الياباني هو ما يتعلق بتحمل المسؤولية الجماعية عن الأداء الجماعي.
النظرة الشمولية للاهتمام بالأفراد العاملين: و مفادها أن المنظمات اليابانية تعنى بالموظفين منذ دخولهم إلى المنظمة و من مرحلة التدريب و إجراء ما يسمى بعملية socialization إلى أن ينتهي الموظف من عمله و يصل إلى مرحلة التقاعد و ذلك بإجراء عمليات تنمية و تطوير القوى العاملة و العمل على تحقيق الاستقرار الاجتماعي و الوظيفي لهم و خصوصاً أن هذا المبدأ ينبثق عن مؤثرات اجتماعية و حضارية و وظيفية.
و بعد استعراض أهم خصائص النموذج الياباني فإنه من المناسب أن نقوم بعمل مقارنة بسيطة و عامة بين المنظمات اليابانية و الأمريكية لمعرفة أهم نقاط الاختلاف بينهما:
المنظمات اليابانية /توظيف مدى الحياة
المنظمات الأمريكية/ توظيف قصير الأمد
المنظمات اليابانية /بطء التقييم و الترقية
المنظمات الأمريكية/ سرعة التقييم و الترقية
المنظمات اليابانية /عدم الاختصاص في الحياة الوظيفية
المنظمات الأمريكية / الاختصاص في الحياة الوظيفية
المنظمات اليابانية/ وسائل رقابة ضمنية
المنظمات الأمريكية/وسائل رقابة علنية
اليابانية / اتخاذ قرارات جماعية
الأمريكية / اتخاذ قرارات فردية
اليابانية / المسؤولية الجماعية
الأمريكية/ المسؤولية الجماعية
اليابانية/ الاهتمام الشمولي
الأمريكية / الاهتمام المجزأ
المنظمة ز:إن كل شركة من نوع ز لها خصائص تميزها عن غيرها, فالخصائص السابقة و غيرها تجعل هذه المنظمات ذات سياسة و فلسفة إدارية مختلفة و علاوة على ذلك فإن النوع "ز" من الشركات تمتلك قدراً كبيراً من الممتلكات المتعلقة بالمعلومات و الأنظمة المحاسبية و التخطيط الرسمي و الإدارة بالأهداف , لذلك نجد هذه المنظمات تمتلك حالة من التوازن بين الأمور الواضحة و الضمنية في الوقت الذي يعتمد فيه اتخاذ القرارات على كامل الحقائق فإنه يراعى الاهتمام بمدى مناسبة القرار لأوضاع الشركة و مدى انسجامه مع سياستها.
و بالتالي فإن مميزات هذه الشركات متعلقة بأسلوب الشركة و نظرتها للأهداف و إلى الربحية التي تعتبرها مكافأة لبقاء الشركة و سعيها المتواصل لتقديم الأفضل, فالهدف و الغاية لكل منظمة التميز المستمر دائماً. و مما تجدر الإشارة إليه بأن الخلفية النظرية للنوع "ز" تمثل نوعاً من التناسق و التوافق في ثقافتها الداخلية فيمكن تشبيهها بالعشائر أو العائلات المتآلفة التي تمارس نشاطاً اقتصادياً. و تمثل الثقافة و الفوارق الثقافية صعوبة و حاجز رئيسي في تطبيق النظام "ز" في المنظمات الأخرى, كما أن التنظيم البيروقراطي يقيد هذه الثقافة و يحدد حرية الأفراد و تعاملهم مع الآخرين و هذا ينعكس على جو العمل و الأداء الوظيفي للعاملين.
تطبيق النظرية:
التحول من النظرية A إلى النظرية Z :
يمكن توضيح ذلك من خلال مجموعة الخطوات المتناسقة المتسلسلة بشكل منطقي و إداري و هذه الخطوات توضح بالتحديد مراحل إرشادية لعملية التحول:
الخطوة الأولى:
تفهم النوع "ز" من المنظمات و دور المدير فيها و ذلك من خلال قيام المدراء بعض القراءات للتعرف على الأفكار الكامنة وراء النظرية "ز" و المبادئ التي تنطوي عليها ثم مناقشتها مع العاملين بانفتاح و ثقة لمعرفة آرائهم حولها.
الخطوة الثانية:
إعداد بيان بأهداف الشركة و فلسفتها يعطي العاملين فكرة عن القيم التي يفترض أن يعملوا بها و يتقيدوا بها و كذلك توضيح طرق التصرف و السلوك في المنظمة و خارجها و من خلال هذه العملية يمكن تحقيق الفوائد التالية:1-
ضرورة تفهم فكرة و ثقافة المنظمة من خلال تحليل القرارات و مدى نجاحها.2-
كل منظمة تتطور لديها بعض العيوب و التناقضات و بالتالي يتم كشفها من خلال التحليل.
3- معرفة الترابط بين استراتيجيات العمل و فلسفة الإدارة.الخطوة الثالثة:يتم فيها معرفة الإجراءات و الممارسات غير المناسبة و التي تتناقض مع غيرها و التي تحتاج إلى إضافات معينة و في هذه الحالة تبرز أهمية مشاركة الإدارة العليا في التنظيم الإداري للمؤسسة.
الخطوة الرابعة:
علاقات الاتصال الرسمية في المؤسسة تحدد علاقات الرؤساء بالمرؤوسين و مدى التعاون بينهم و يرى أوتشي أن الهيكل المناسب للمؤسسة التي تتصف بالكفاءة و التكامل هو النموذج الذي ليس له خارطة تنظيمية و يشبه ذلك بالفريق الرياضي الذي يعمل على التعاون الجماعي لتحقيق الهدف.الخطوة الخامسة:تطوير مهارات التعامل مع الآخرين و هي من الأمور الأساسية لتطبيق الطريقة "ز" في العمل و ذلك لتحقيق التعامل و العمل بروح الفريق و من هذه المهارات ما يتعلق بأنماط التفاعل في عملية اتخاذ القرارات و حل المشاكل و الاستماع الجيد و كذلك كيفية توفير عناصر القيادة للجماعة.
الخطوة السادسة:
تفحص المدير لنفسه و النظام, و قبل قيام الفئة العليا من المديرين بتطبيق النظرية "ز" على المستويات الأدنى فإن عليهم أولاً تفحص أنفسهم لتحديد مدى تفهمهم للفلسفة التي تقوم عليها هذه النظرية.
الخطوة السابعة:
تحقيق الاستقرار الوظيفي و ذلك من خلال توفير بيئة عمل مناسبة تتصف بالعدالة و المشاركة و التغلب على احتمال استقالة بعض العاملين و بالتالي توفير كافة أسباب و متطلبات الاستقرار و الولاء للتنظيم و يجب مراعاة مشاركة النقابات العمالية قبل إجراء أي تغيير في المنظمة.نظرية "ز" و الإشراف التربوي:استفادت الإدارة التربوية من هذه الفلسفة الإدارية التي تؤمن بالعاملين و تثق بهم ثقة مطلقة و تتيح لهم فرص المشاركة في إدارة مؤسستهم ضمن الباب المفتوح. و العملية الإشرافية على اعتبار أنها جهد تعاوني تشاركي جماعي بين كافة عناصر العملية الإشرافية خاصة بين المشرف و المعلم في بناء خطة عمل مشترك تأخذ بعين الاعتبار حاجات المعلم و حاجات المدرسة, و هو ما يمكن تسميته بالإشراف التربوي الديمقراطي الحديث.
مع التركيز على الأهداف الاقتصادية للتعليم وذلك لأن الاقتصاد في اليابان اقتصاد قائم على المعلومات، ولهذا السبب وضعوا نصب اعينهم وجود تعليم نظامي ممتاز يعول عليه في تخريج أجيال صالحة ومناسبة لسوق العمل ومُعدة لاستيعاب التدريب المستمر في مواقع العمل على كل جديد ومستجد مما يجعلها أهلاً للقيام بما يُوكل إليها من عمل بما في ذلك البحث والتطوير والحصول علىِ براءة اختراع جديدة ومفيدة، وبالتالي احراز قصب السبق في المنافسة العالمية المحتدمة على إنتاج الأفضل والأرخص.
لقد اضحى الهدف الأساسي لنظام التعليم في اليابان هو ايجاد مواطنين مستنيرين ومنتجين. وهذا هو الذي مكنهم من اللحاق بالغرب بل ربما جعلهم يحرزون قصب السبق عليه. ولقد أصبح هذا الهدف أوضح ما يمكن في ظل احتدام المنافسة على الأسواق العالمية، والاقتصاد التنافسي الناجح يزدهر وينمو ويستمر إذا دعم بقدرة القوى العاملة فيه على إنتاج سلع تتصف بالجودة وانخفاض التكلفة، ناهيك عن القدرة على سرعة التكيف مع التقنيات المستحدثة. وهذا كله يتأتى من إسهام التعليم النظامي والتدريب في مواقع العمل بصورة مباشرة في إعداد وتطوير قدرات القوى العاملة، ليس هذا فحسب، بل إن إدراك دور التعليم المدرسي والتدريب أسهم ويُسهم في تطوير قوى عاملة منتجة ويُسهل تطبيق السياسات المستجدة والمستنيرة.
لقد اضحى الهدف الأساسي لنظام التعليم في اليابان هو ايجاد مواطنين مستنيرين ومنتجين. وهذا هو الذي مكنهم من اللحاق بالغرب بل ربما جعلهم يحرزون قصب السبق عليه. ولقد أصبح هذا الهدف أوضح ما يمكن في ظل احتدام المنافسة على الأسواق العالمية، والاقتصاد التنافسي الناجح يزدهر وينمو ويستمر إذا دعم بقدرة القوى العاملة فيه على إنتاج سلع تتصف بالجودة وانخفاض التكلفة، ناهيك عن القدرة على سرعة التكيف مع التقنيات المستحدثة. وهذا كله يتأتى من إسهام التعليم النظامي والتدريب في مواقع العمل بصورة مباشرة في إعداد وتطوير قدرات القوى العاملة، ليس هذا فحسب، بل إن إدراك دور التعليم المدرسي والتدريب أسهم ويُسهم في تطوير قوى عاملة منتجة ويُسهل تطبيق السياسات المستجدة والمستنيرة.
نعم إن التنسيق الوثيق بين التعليم النظامي والتدريب في مواقع العمل في اليابان هو الذي أدى إلى تطوير الموارد البشرية هناك. فالتعليم الالزامي في المدارس لمدة تسع سنوات يضمن للطلاب هناك اتقان المهارات الأساسية من قراءة وكتابة ورياضيات وعلوم. كما أن تلك المدارس تتولى تزويد الطلاب بالمهارات الضرورية للعمل بفعالية ضمن فريق . كما يقوم أرباب العمل بتدريب الخريجين ليصبحوا ملمين بالعمل الذي سوف يُوكل إليهم. هذا بالإضافة إلى تدريب المبتدئين على نوعين من المهارات، الأول تدريبهم على المهارات الفنية والثاني تدريبهم على المهارات اللازمة لعلاقات العمل التي تعزز من الإنتاجية، وهذان النوعان من التدريب يعزز كل منهما الآخر. ولا شك أن هذا الأسلوب في إعداد الشباب لسوق العمل وهو المعتمد على الصلة الوثيقة القائمة بين التعليم المدرسي النظامي والتدريب في مواقع العمل هو المسؤول عن تقليل التباين وتصغير الفجوة بين ما تقوم به المدرسة من تعليم وما يحتاجه سوق العمل من مهارات.
في اليابان تمارس وزارة التربية والتعليم الإشراف المباشر على المدارس المحلية وتستهدي بالمرسوم التعليمي الصادر عقب الحرب العالمية الثانية والذي تضمن خمسة مبادئ وأهداف للمدارس الثانوية وهي:
٭ زرع قيم الاحترام والتقدير للاجتهاد في العمل.
٭ تدريس المهارات والمعارف الأساسية اللازمة للمهن الأساسية في المجتمع.
٭ تطوير القدرة على اختيار المستقبل الذي ينسجم مع الميول الشخصية للمرء.
٭ تطوير العقلية الجماهيرية.
٭ تطوير وتنمية الاستعدادات الضرورية للمواطنة المنتجة.
ولقد ساعد تحقيق هذه الأهداف على ايجاد المواطن المتفتح والمسؤول المستنير. كما أن ذلك ارسى قواعد التدريب الفعال أثناء العمل. إن تجانس المعارف المكتسبة في المدرسة ييسر ويسهل وضع معايير موحدة للتدريب، كما أن تدريب الخريجين على المهارات التقنية يصبح اسهل إذا كان مستواهم في المعارف الأساسية متماثلا.
إن التعليم المدرسي النظامي في اليابان بالإضافة إلى تعليم المهارات الأساسية يسهم في إكساب الطلاب العقلية المنفتحة على العامة وإكسابهم الأساليب التي تجعلهم مواطنين صالحين، حيث يتم تعليمهم مهارات التعامل مع الآخرين وتعليمهم أيضاً الأفكار اليابانية التقليدية مثل مكانة الفرد في المجتمع، كما أن التعليم يكسبهم موقفاً تعاونياً ومن ذلك أن التلاميذ في المدارس يتعلمون ومنذ سن مبكرة كيف يتعاونون مع الآخرين في إنجاز الأعمال المنزلية. حيث يقومون بإحضار وجبة الطعام، ويجمعون الأدوات، ويرمون القمامة، وينظفون المكان بعد الفراغ من الأكل. وفي المدرسة يتناوبون تنظيف وتنظيم الفصل الدراسي في نهاية الدوام، وفي بعض المدارس يُعقد اجتماع في نهاية اليوم الدراسي يضم الطلاب ومدرسيهم وذلك من أجل مناقشة المستجدات كما انهم يتحاورون ويفكرون بصورة جماعية بأحداث وتجارب اليوم الدراسي المنصرم وذلك بهدف تحسين الأداء في اليوم التالي وعدم تكرار الأخطاء. وبهذا الأسلوب يساعد التعليم المدرسي النظامي على خلق علاقات جماعية بين الطلاب مما يسهل عملية التدريب في المستقبل.
أما عند الحديث عن التدريب في مواقع العمل فإننا نجد أن صاحب العمل والموظف المستجد يستثمران في التدريب بغية تعزيز قيمة علاقة العمل. هذا وقد أشرنا إلى نوعين من التدريب وهما التدريب التقني والتدريب على علاقة العمل. أما الأول وهو التدريب التقني فإن الفوائد المترتبة على الاستثمار فيه تؤدي إلى تعزيز الكفاءة التقنية. أما الثاني وهو التدريب على علاقات العمل فإن الاستثمار فيه يؤدي إلى تعليم العاملين كيفية التواصل فيما بينهم وجعل ذلك التواصل فعالاً ومفيداً، كما أن ذلك يعلمهم كيفية تقاسم المعلومات والمسؤوليات بالإضافة إلى تعليم بعضهم بعضاً أسرار العمل. ليس هذا فحسب، بل يتم تعليمهم كيف يتم التصدي والتعامل مع الخلافات التي قد تنشأ بينهم وكذلك حلها بصورة ودية وعقلانية. كما أن التدريب على علاقات العمل يشمل مهارات التعامل مع الآخرين مثل فهم سياسة مكان العمل، وتقاسم المعرفة، والقدرة على فهم الوقت المناسب للتحدث والوقت المناسب لالتزام الصمت.
نعم لقد ادرك اليابانيون أهمية التدريب على علاقات العمل واعتبروها جزءاً من قضية تعزيز الأمن الوظيفي ذلك أن أحد الأهداف الرئيسية للتدريب على علاقات العمل هو التقليل من حالات الفصل أو الاستقالة أو الانفصال غير الفعالة وخفضها إلى أدنى حد ممكن.
نعم لقد ثبت من أرض الواقع أن هذين النوعين من التدريب يعزز كل منهما الآخر. فالمعرفة الأساسية المكتسبة في المدرسة تؤثر تأثيراً ايجابياً في التدريب على المهارات التقنية، كما أن مهارات التعامل مع الآخرين المكتسبة في المدرسة أيضاً تسهم في تطوير مهارات علاقات العمل. وهذا يعني أن التعليم النظامي في المدرسة والتدريب في مواقع العمل عنصران متكاملان لا ينفصلان. والمتتبع لنظام التعليم والتدريب في اليابان يستنتج أن الذي عزز حافز التدريب لدى المؤسسات والشركات في اليابان إلى حد بعيد هو نجاح السياسات الاقتصادية والصناعية بصورة عامة ونجاح التعليم المدرسي النظامي في إعداد الطلاب للتدريب وغرس ثقافة العمل لديهم.
نعم لقد اعتمد الأسلوب الياباني اعتماداً قوياً على التدريب في مواقع العمل لبناء قوة عمل منتجة وذلك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وهذا الأسلوب تفوق على الأسلوب الأمريكي في التدريب الذي يعتمد على التدريب المقدم من مصادر خارجية مثل مراكز ومعاهد التدريب، والمدارس المهنية والحرفية. لذلك فإن اعتماد اليابان على التدريب في مواقع العمل يعكس الاهتمام المعطى للتدريب على علاقات العمل بدلاً من الاقتصاد على التدريب الفني والتقني فقط.
أما على مستوى العالم فإن التقنية بدأت تغير دور الوالدين ذلك أن شبكة الإنترنت أصبح لها تأثير بالغ في العمل الذي يقوم به كل من الوالدين والأطفال. لذلك فلا بد للمدارس من أن تتبنى أساليب جديدة للتعليم يؤدي فيها التعليم الفردي والمرن دوراً مهماً مع أخذ التجربة اليابانية بعين الاعتبار. نعم إن التقنية ليست وحدها المسؤولة عن التغيرات التي تحدث أو سوف تحدث في قاعة الدراسة خلال القرن الجديد، بل إن النظام الاقتصادي الجديد سوف يحتم على قاعة الدراسة تغييراً يتوافق مع توجهاته المتجددة. لهذا فإن هناك طلبا متزايدا على الحلول التربوية للمشكلات الاقتصادية والأساليب التعليمية التي تسهم في النمو الاقتصادي. ومن هذا المنطلق سوف يصبح هناك تعاون وتنسيق لم يسبق لهما مثيل بين مدارس المستقبل والصناعة والأعمال الاقتصادية الأخرى. وهذا ما سوف يملي على التعليم التوجه المهني الذي يحتاجه مما يجعل التركيز على التعليم شاملا للتدريب بدلاً من التعليم ثم التدريب. وهذا التطور في مفهوم التعليم عالمياً هو الذي حدا باليابان إلى إعادة تقويم نظامها التعليمي الرسمي على الرغم من تفوقه. حيث اصدرت لجنة لدراسة الموضوع عينتها وزارة التربية والتعليم في اليابان عددا من التوصيات تؤطر كيفية إصلاح التعليم من الابتدائي وحتى الثانوي هناك. وقد كانت أهم تلك التوصيات ما يلي:
٭ خفض تغطية المحتوى 30٪ وذلك لكي يتمكن الطلاب من اتقان المهارات الأساسية بشكل أفضل مما هو حاصل الآن.
٭ استحداث برنامج لمدة خمسة أيام في الأسبوع للمدارس من رياض الأطفال وحتى نهاية المرحلة الثانوية.
٭ استحداث مقررات جديدة حول تقنية المعلومات واستخدام الحاسب والعلوم والتقنية كعلوم أساسية.
٭ دراسة أساليب التعليم الجديدة التي تُعوّد الطلاب على التفكير المستقل. وبالطبع فإن هدفهم من هذه الإصلاحات هو انها سوف تسهم في إنتاج خريجين أقل تقليداً وأكثر إبداعاً من الماضي مما يعزز من اسلوبهم القائم على التنسيق الوثيق بين التعليم النظامي والتدريب في مواقع العمل. وعلى العموم فإن اليابانيين يتمتعون بمزايا نسبية طوعوا لها نظامهم التعليمي مما مكنهم من تكييف المعارف والتقنيات الغربية وتعديلها وتطويرها والبناء عليها بحيث تعطي منتجات تجارية ذات أسعار تنافسية. وهاهي اليوم تصبح تقنية يابانية مستقلة تشق طريقها وتتمتع بالقدرة على المنافسة من خلال إنتاج معارف وتقنيات جديدة قوامها نظام تعليمي متميز وتدريب في مواقع العمل متواصل يعتمد على المقولة التي تقول إن بيئة العمل «مدى الحياة» هي التي لا يشكل فيها العامل الحديث العهد بالتخرج والتدريب خطراً على الأمن الوظيفي للمدرب الذي يعلمه مما يجعل المدرب لا يبخل بمهارته، ومعرفته، وتجربته، وقدراته على من يقوم بتدريبهم. ومما يؤكد ذلك التوجه والسياسة العملية، ان القدرة على تعليم وتدريب زملاء العمل تُعد عاملاً أساسياً من عوامل وضوابط الترقية في المؤسسات والشركات اليابانية. وهذه الحوافز والضوابط هي التي تجعل المدرب لا يخشى على مكانته أو وظيفته إذا احسن تدريب غيره. بل ابعد من ذلك فإن تخريج متدرب ناجح يصبح مصدر فخر لذلك المدرب وذلك لأن المدرب سوف تقدره الشركة على جهده ونجاحه كما أنه سوف ينظر إليه على أنه مدرب ناجح ينتج متدربين نافعين.
نعم إن توثيق الصلة بين التعليم النظامي والتدريب في مواقع العمل يعني استمرارية التعليم وهذا ما يطلق عليه هذه الأيام «التعليم مدى الحياة».
وفي الختام لا يعني إلا أن اشير إلى أن هناك عددا كبيرا من الدراسات والبحوث التي تتحدث وتدور حول تجارب الدول المختلفة في مجال التعليم ومن ذلك ما كتبه ماسانوري هاشيموتو عن التعليم في اليابان والذي اشرنا إلى بعض مما ذكره في ذلك الموضوع والمترجم من قبل مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
نعم مرة أخرى إن الحريص على تطوير التعليم لا بد من أن يستفيد من تجارب الأمم الأخرى ويأخذ أحسن ما فيها وبما يتناسب مع متطلبات المرحلة والبيئة المحلية والمنافسة العالمية الحادة ومعرفة أن الغلبة في الصراع العالمي لا بد وأن تكون للاقوى في التعليم بجميع عناصره وذلك لأنه المفتاح والأساس لجميع الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذلك العسكرية والأمنية.
المراجع:
1- د. محمد محمود، أهمية التجربة اليابانية، القاهرة،2000م.
3- د. معتصم جليل، مبادئ التجربة اليابانية ، القاهرةن2007م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق