بسم الله الرحمن الرحيم
الإسلام وعلم النفس
تتنافس النظريات النفسية في محاولة فهمها وتفسيرها لدوافع السلوك الانساني وفي محاولتها لعلاج مشكلاته،كما ان كل نظرية منها قد اخذت جانباً مجزوءً من السلوك واعتبرته السلوك كله. ولا يخفى على كل متبصر بالامر الارتباط الكبير بين النظرية وصاحبها حيث ان تاريخ أي نظرية هو تاريخ مؤسسها واتباعها،وهي ايضاً انعكاس لجملة الارهاصات التي سبقتها . هذا من جانب ،ومن زاوية تاريخية اخرى يوجد اغفال متعمد في تأريخ العلم عامةً وفي تأريخ علم النفس خاصةً واسهامات كل من العرب والمسلمون ي ذلك، اذ ينظر اليهم في أحسن الاحوال على انهم مجرد حراس لمتاحف الحضارة اليونانية(1:8) .
وفي هذه العجالة سأحاول تلخيص مبادىء واساليب الارشادوالعلاج النفسي في الاسلام بشيء كبير من الاختصار والبتر.
اسس الارشاد الديني
يقوم الإرشاد الديني على أساس أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ،والله يعلم من خلق،قال الله تعالى (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) (الملك،14). والله قد خلق الإنسان ابتداءً من طين ثم نفخ فيه من روحه(… إني خالق بشرا من طين ،فإذا سويته ونفخت فيه من روحي …،) (ص:71،72) فالانسان مكون من جسد وروح ،ويتمثل الجسد في الدوافع البيولوجية من جوع وعطش وجنس والدفاع او القتال لتحقيق الامن ،ومحاولة الانسان لاشباعها ،وتتمثل الروح في الوظائف النفسية والعقلية(190:2).ولكل جانب من النفس البشرية حاجات وأشواق.والإسلام هو الدين الوسط (وجعلناكم أمة وسطا) (البقرة،143). فهو يجمع باتزان دقيق بين الحياة الدنيا والآخرة وبين حاجات الإنسان المادية وحاجاته(أشواقه) الروحية (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا)(القصص،77). ويحقق الاتزان النفسي الذي تقوم على أسا سه الصحة النفسية ((عجباً للمؤمن كل أمره خير ولا يكون ذلك لغير المؤمن ،إذا أصابته سراء شكر، فكان خيراً له،وإذا أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) حيث يعكس الحديث قدرة الفرد المؤمن على مواجهة الأزمات النفسية العادية التي تطرأ على الإنسان بصبر وثبات وبأساليب توافقية مباشرة أساسها الإحساس بالرضا ا. وضرورةالاتزان في المشاعر وعدم التطرف فيها.
والإنسان مسؤول عن سلوكه قال تعالى (ونفس وما سواها،فألهمها فجورها وتقواها،قد افلح من زكاها ،وقد خاب من دساها)(الشمس،7-10).
كما أن السلوك البشري قابل للتعديل وفي هذا قال الغزالي*..وكيف ينكر هذا في حق الآدمي وتغيير خلق البهيمة(الحيوان) ممكن،إذ .ينقل البازي من الاستيحاش الى الانس والكلب من شره الاكل الى التأدب والامساك والتخلية ،والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد،وكل ذلك تغيير للاخلاق.*واستدل بحديث الرسول ((حسنوا اخلاقكم))(54:5).
والله يعرف كيف يصير الإنسان سوياً ،والله يعرف أسباب فساد وانحراف سلوك الإنسان . وهو الذي يعرف طرق وقايته وطرق علاجه والله اعلم من الإنسان بالإنسان الذي خلقه قال تعالى (قل هو للذين آمنوا هدىًوشفاء )
ماذا نعني بالإرشاد الديني:
العملية التي يتم فيها تكوين حالة نفسية متكاملة نجد فيها السلوك متمشياً ومتكاملاً مع المعتقدات الدينية ،مما يؤدي إلى توافق الشخصية والسعادة والصحة النفسية(320:1) وتناسق في الفكر والوجدان والسلوك في إطار تكاملي واضح قال عليه السلام((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)) وقال ايضاً.((ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل))
أسباب الاضطراب النفسي في رأي الدين :
يرى د.مصطفى فهمي آن أساس إصابة الإنسان بالمرض النفسي أو العقلي هو الصراع بينه وبين مبادئه الدينية، فحينما يحدث تصادم بين أفعال الفرد أو أقواله وبين هذه المبادئ الدينية يزداد قلقه ويشتد شعوره بالإثم.ويتصاعد عذاب ضميره مما يحتم عليه التكفير عن معاصيه والبحث عن عقاب لذاته بأي طريقة كانت،وما الأمراض النفسية والعقلية إلى مهينة للذات لجأ إليها الفرد كنوع من عقابه لذاته لتخفيف حدة عذاب الضمير(203:3).ويشير حامد زهران إلى عدة أسباب رئيسة للإضطرابات النفسية نذكر منها:
1.الذنوب:وهي مخافة القوانين الإلهية وإتباع النفس الأمارة بالسوء ،وتعتبر المعاصي والذنوب للقلب كالسموم إن لم تهلكه أضعفته،والذنب يورث الشعور بالإثم،والإثم كما عرفه الرسول*(( هو ما حاك في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس))*.
2.الضلال:ونعني به البعد عن الله والمعصية وعدم ممارسة العبادات وتشوش المفاهيم مما يؤدي إلى اضطراب السلوك قال تعالى (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكا)16.
3.الصراع:ونقصد به الصراع بين قوى الخير وقوى الشر في الإنسان(ونفس وما سواها،فألهمها فجورها وتقواها،قد افلح من زكاها ،وقد خاب من دساها) (الشمس:7-10) .وبين السلوك الحلال والحرام وبين الجانب الملائكي والجانب الحيواني في الإنسان.أي أن الصراع قد ينشأ بين النفس الأمارة بالسوء وبين النفس اللوامة،فيتأثر بذلك اطمئنان النفس المطمئنة ويحيلها إلى نفسِ مضطربة وهذا الصراع إذا استحكم يؤدي إلى القلق والفزع .والصراع بين الخير والشر دائم ومستمر،وهو كالصراع بين جيشين مع كل منهما سلاحه فأيهما غلب الآخر قهره وكان الحكم له ،فالقلب إذا كان ضعيفاً والفرد شهوانياً والحظ قليل من التوكل والتوحيد انتصر الشر على الخير(57:3) .
4.ضعف الضمير.كما انه توجد أسباب أخرى للاضطراب النفسي منها الأنانية وإيثار الحياة الدنيا والتكالب عليها والحقد وحسد الناس على ما آتاهم الله والشك والارتياب والتي ينظر إليها الغزالي أمراض قلب(4: 160-335). .إتباع الغرائز والشهوات والتبرج والإغراء.
تعتبر الأعراض في رأي الدين استجابة غير سوية لضمير الفرد بسبب ما تعرض له من إهمال ،أو نتيجة لقيامه بسلوك يتضمن نوعا من التحدي السافر لتعاليم الدين ومن الأعراض الرئيسية للاضطراب (324:1) :
1 .الانحراف:ويشمل الانحرافات السلوكية وعلى رأسها الجنسية والاجتماعية مثل السرقة والعدوان والتمرد وتعاطي المخدرات.
2.الشعور بالإثم:ويعتبر عنصراً أساسيا في تكوين العصاب ويعمل على تهديد الذات لتوقعها العقاب ويسبب حالة من عدم الاتزان النفسي وسوء التوافق الاجتماعي.
3.الخوف:ونقصد به الخوف المرضي الدائم التكرر الذي لا يمكن ضبطه أو التحقق من والذي يتملك سلوك الإنسان ويحكمه ويصاحبه سلوك عصابي قهري.
· 4.القلق:وهو خوف غامض غير محدد مصحوب بالتوتر والتهيب وتوقع الخطر وعدم الاستقرار مما يعيق الفرد عن الإنتاج ويجعل سلوكه مضطرباً.
5.الاكتئاب:وهو حالة نفسية تسيطر على الإنسان فيها جملة مشاعر أهمها الاحساس باللاقيمة واللاأمل واللامساعدة وتنخفض فيها إنتاجية الإنسان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق