السبت، 30 مارس 2013

الشيخوخة :ادراج رقم 4

السلوك الديني في الشيخوخة
 يتغير السلوك الديني للفرد من الرشد إلى الشيخوخة تغيراً جوهرياً ويظل تغيره حتى يقف به على أبواب الحياة الآخرة ، وجاء في سنن الترمذي 2063 حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ إِلَيْهِ الْمَلَكَ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ يَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ ثُمَّ يَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ ثُمَّ يَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا قَالَ أَبمو عِيسَى وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ قَالَ أَبو عِيسَى وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ و سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ قَال سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ مَا رَأَيْتُ بِعَيْنِي مِثْلَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ نَحْوَهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدٍ نَحْوَهُ *
   إلا أن الفرد عامةً يجد في الدين مصدراً خصباً من مصادر الطمأنينة النفسية والسكينة العميقة وينتهي به اليقين إلى يقين أكبر وأشمل ، ويزداد اتجاهه الديني بعد انتهاء وظيفة الاسرة في تكوين الجيل الجديد الذي يبدأ هو نفسه في تكوين أسر جديدة وتخففه بالتالي من العلاقات الاجتماعية ، وزيادة حدة الاحساس بالوحدة والعزلة عندما يتقاعد فيخلو لنفسه في صلاته ونسكه ، وتزداد مراعاته للتصوف والشعائر الدينية كلما مرت به ضائقة ، وكلما مات من حوله بعض أقرانه واولاده .
   ويلعب الدين دوره الرئيسي في حياة الشيوخ ومدى إحساسهم بالتوافق النفسي إذ أنه عندما يدلف الفرد إلى الشيخوخة ، ويحس بالضعف يشيع في جنبات نفسه وارجاء حياته ، ولا يجد ملجأً من الضعف والعجز إلا في دينه يتخذ إيمانه وسيلة لتحقيق الهدوء النفسي الذي يسعى إليه ، وذريعة إلى تقبل التغيرات التي بدأت تعصف ببدنه ونفسه وتباعد بينه وبين من حوله .
   والمرأة أكثر مراعاة للطقوس الدينية من الرجل واكثر من الرجل محافظة على سلوكها الديني ، ويرتبط مدى السلوك الديني بين الناس بالمستوى الاجتماعي الاقتصادي فهو ينتشر أكثر ما ينتشر بين أوساط الناس إذ عندهم تلتقي مداخل الثقافة ومخارجها .
العلاقات الاجتماعية في الشيخوخة
   يزداد إهتمام الفرد بنفسه كلما تقدمت به السن نحو الشيخوخة ، وتضعف صلته شيئاً فشيئاً بالمجالات الاجتماعية البعيدة عن دائرته الضيقة ،ثم تضعف علاقاته الاجتماعية بينه وبين معارفه ، ثم يزداد هذا الانكماش فتضعف العلاقات القائمة بينه وبين الأصدقاء والخلان ، حتى تصبح دائرة نشاطه الاجتماعي قاصرة على العلاقات الأسرية الضيقة المحدودة ، وبذلك يصبح الشيخ انانياً، نرجسياً في حياته .وكأنه بهذا السلوك يحافظ على حياته من مضايقات العالم الخارجي المحيط به .وهكذا تصبح مرحلة الشيخوخة مرحلة العزلة والوحدة وهي تمعن في الضيق كلما ازداد العمر بالشيخ .ويزيد من عزلة الشيخوخة زواج الأبناء ، وموت أحد الزوجين ، والضعف البدني الذي يحول بينه وبين زيارة الأصدقاء البعيدين ، وتناقص أفراد جيله يوماً إثر يوم. وتعاني السيدات من الوحدة أكثر مما يعاني الرجال وذلك لأن العمر يمتد بهن أكثر .
 وتثبت علاقة الشيوخ بأولادهم على ذلك النمط الذي كان سائداً بينهم وبين أولادهم في منتصف العمر من حيث النضوج والاتزان أو الإرهاق والانحراف .إلا أن التصادم بين الآباء والأبناء يقل ، بينما يزداد بين الأمهات والأبناء وخاصة بعد الزواج وما يترتب عليه من علاقات جديدة بين المرء وزوجه ، وثورة الأم على العنصر الدخيل الذي يهدد مكانتها وحظوتها لدى ابنها ، الا أن علاقة الشيخ باحفاده وأسباطه تختلف عن علاقته بأبنائه فيلجأ إليه الاحفاد ليحميهم من ثورة الأب وغضبه ، ويهرعون إليه في أزماتهم ومشكلاتهم .وتصل هذه العلاقة إلى ذروتها في الريف وذلك لقوة الصلة بينة الجيلين وتضعف في المجتمعات المدنية ، وذلك لانحلال الروابط العائلية في المجتمعات الصناعية الحديثة .ومهما يكن من أمر هذه العلاقة فإن لها آثارها على الجيل الأوسط ،جيل الآباء والامهات وخاصة فيما يتعلق بتنشئة الأولاد . وغالباً ما يظهر كبار السن مستويات عالية من الأخلاق والرضا عن الحياة والإحساس بقيمة الذات على الرغم من تزايد حالات الإهمال وسوء المعاملة لهم .
الزعامة من الرشد إلى الشيخوخة
 عندما يصبح الفرد زعيماً في مطلع شبابه فإنه يظل زعيما إذا توافرت لديه المقومات الحقيقة للزعامة وقد يتطور الامر به ليصبح زعيماً لقومه ، وتزداد ظاهرة الزعامة أصالة تبعاً لزيادة السن وخاصة بعد مرحلة الرشد إذ تتطلب قدرة على تحمل المسؤولية، والقدرة على تقبل النصر والهزيمة باتزان وحكمة ، والقدرة على النقد الذاتي ، والقدرة على التعبير عن آمال ومشاعر الجماعة التي ينتمي اليها الفرد ،وبذلك يصبح الزعيم هو البؤرة التي تتجمع فيها المشاعر والأهداف وتتحول إلى مشاريع واعمال ، وهي بهذا تختلف عن المظاهر الأخرى للشخصية الإنسانية من ناحية الإنتاج العقلي خلال مراحل الحياة .
المكانة الاجتماعية من الرشد إلى الشيخوخة
 تعتمد المكانة الاجتماعية للفرد في أي جماعة على دوره القيادي فيها وما يقدمه من خدمات للجماعة التي ينتمي اليها ، وتتأثر المكانة الاجتماعية للفرد في جميع مراحل حياته بالمعايير القائمة والقيم السائدة في المجتمع .ولقد كان للشيوخ مكانتهم الاجتماعية في المجتمع اليوناني القديم .وما زالت لهم مكانتهم المرعية في مجتمعاتنا الشرقية .ولقد دعا الإسلام إلى تقديرهم واحترامهم كما أسلفت سابقاً .
 وتضعف هذه المكانة في المجتمعات الغربية المعاصرة لأنها تؤمن بالقوة والسرعة ، والجاذبية الجنسية ، وهي صفات لا تتوفر لجيل الشيوخ.
ولذلك تقسو الحياة عليهم ويهجرهم أبناؤهم ، وتضيق بهم سبل الرزق ، ويدركون أنهم أصبحوا عالة على المجتمع وعلى الحياة نفسها .لذا قال احدهم : اول زمانك يعزوك غالي وقع في يد غالي وآخر زمانك يرموك مثل الخلق في الدار بالي
الأسرة من الرشد إلى الشيخوخة
يؤثر كل من طبيعة المجتمع المعاصر وطبيعة التطور الصناعي الحديث وطبيعة التحول الاجتماعي السريع على تقبل جيل الجدود في الأسرة حيث ضيق المسكن الحديث ، وصغر حجم الأسرة نتيجة لارتفاع مستوى الحياة ، وزيادة الضرائب ، وزيادة معدل الإنفاق عاماً بعد عام .وهكذا لا تتسع إطار الأسرة الحديثة إلى الشيوخ بل لا تكاد تتسع إلا للجيل التي أنشأها ، والجيل الذي ما زال يعد نفسه للحياة ولذلك نشطت الدول في إنشاء مؤسسات جديدة لرعاية جيل الشيوخ وبعضها قام بإنشاء أحياء والبعض الآخر أقام مدناً لهذا الغرض .إلا انه على الرغم من كل العوامل التي أسلفت إلا أن الضيق في الذهن وفي الفكر قبل أن يكون في المسكن وفي النفقة وصدق الشاعر حين قال
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها                ولكن اخلاق الرجال تضيق.
التوافق الإجتماعي للكبار
 تتأثر عملية التوافق بالعوامل البيئية المحيطة بالفرد وتتلخص أهم هذه العوامل في النواحي التالية :
1-الحاجات الاجتماعية : وخاصة الأسرية ، ويؤثر عليها تغير المكانة الاجتماعية لجيل الآباء سنة بعد أخرى .ويدرك الاب التغير الذي يطرأ على دوره الذي كان يقوم به في أسرته كزوج شاب ، ثم كأب لأطفاله الصغار ، ثم كصديق للاطفال الذين أصبحوا شباباً ، ثم كإنسان خائر القوى .وعليه أن يوافق بن نفسه وبين وظيفته المتغيرة في أسرته المتطورة .
2-التقاليد والعادات: تتأثر عملية التوافق بمدى ونوع التقاليد والعادات السائدة في البيئة ، والخاصة بكل مرحلة من مراحل النمو ، وكلما كبر سن الفرد زاد تبعاً لذلك اهتمامه بآراء الناس ومراعاته للقيم والمعايير القائمة .
 وقد تعوق التقاليد الفرد عن تعلم مهارات جديدة ، وخاصة عندما يعرف الشيخ أن الناس من حوله ينظرون إليه نظرتهم إلى الشخص العاجز المتداعي ، الواهي الذي ليس في مقدوره أن ينجز أي عمل .
 بينما أن التقاليد التي تحترم السن ، وتعطي الشيخ حقه من الإحترام والتبجيل ، وتدعو الناس إلى استشارته في الملمات ، هي التقاليد التي تساعده على تحقيق التوافق الاجتماعي والضروري لطمأنينته وسعادته .
3-التطور الاجتماعي للبيئة :يتأثر الفرد بالمظاهر الاجتماعية السائدة في بيئته ، وتتغير هذه المظاهر بتغير الأحداث لذا يتشابه أبناء الجيل الواحد في أنماط سلوكهم ويختلفون عن أبناء الأجيال الأخرى ، ولذا يعيش الشيوخ ذكرياتهم ويتعصبون لجيلهم ولا يرضيهم سلوك أبنائهم وعلى الفرد أن يفهم الأجيال الأخرى حتى يحقق لنفسه التوافق الاجتماعي الضروري للحياة الهادئة المتزنة
الاتجاهات النفسية
 دلت الأبحاث التي قام بها بولاك Pollack  سنة 1943و لورج سنة 1953 على أن الاتجاهات تزداد استقرارا وثباتاً لزيادة السن وخاصة بعد الرشد ، ولذا يصعب على الشيوخ تغيير اتجاهاتهم . والى هذا أشار رسولنا الكريم بقوله  اقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ قَالَ عَبْد اللَّهِ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ اقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ يَقُولُ الشَّيْخُ لَا يَكَادُ أَنْ يُسْلِمَ وَالشَّابُّ أَيْ يُسْلِمُ كَأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْإِسْلَامِ مِنَ الشَّيْخِ قَالَ الشَّرْخُ الشَّبَابُ *(مسند البصريين بمسند الإمام أحمد) . وتدل الدراسات على أن أكثر الاتجاهات مقاومة للتغيير هي الاتجاهات التي تدور حول الموضوعات السياسية والنظم الاجتماعية القائمة .هذا فالإتجاهات تميل إلى المحافظة في مرحلة الشيخوخة بينما تميل إلى التحرر في مرحلة الرشد.ويزداد التعصب تبعاً لزيادة السن لآرائهم ولماضيهم ، ويبدو الحنين للماضي في صورته النفسية الصحيحة لأنه حنين للقوة ، والشباب ، والسرعة ، والمكانة الاجتماعية ، وحيوية الكفاح، ومواقع العمل الإيجابي في حياة الفرد .
ومن ناحية أخرى توصلت (مديحة المغربي 1982) إلى أن الشخص المسن الذي يتبنى نظرة ايجابية نحو التقدم في العمر يظهر درجة عالية لتقبل حياته وانجازاته وتقبل الذات والآخرين أكثر من غيره .
وتوصلت (Cassidy,Louise Margaret , 1983)إلى أن التقاعد يؤثر على الروح المعنوية .كما توصلت إلى أن الصحة لها تأثير موجب ومباشر على الاستقرار العاطفي .وأوضحت أن التقاعد هو عملية انتقال، وبناءً على ذلك وعلى مدى تقبل الفرد لهذا التحول فإن سنوات التقاعد يمكن أن تصبح مرحلة استمتاع مثل أي مرحلة أخرى من عمر الفرد .
الميل الإجرامي والتوافق الإجتماعي
 الميل الإجرامي جنوح عن سنن الطريق الذي تقره معايير الجماعة ، ويقل السلوك الإجرامي تبعاً لزيادة السن وخاصة بعد مرحلة الرشد ، وقد يثوب الفرد إلى وعيه نتيجة خبرة انفعالية شديدة ، وقد يمضي في غلوائه وجنوحه ولكنه ما يفتأ أن يغير أساليبه وفق خصائص نموه ، لتتحول المظاهر العنيفة للجريمة إلى أساليب الغش والخداع وذلك عندما تضعف قواه البدنية في منتصف العمر والشيخوخة ، وهكذا يختلف شكل وموضوع الجرائم تبعاً لزيادة السن ، وما كان يؤخذ في الشباب عنوةًبالقوة ، أصبح يؤخذ في الشيخوخة بالحيلة والمراوغة .
 
الهوايات والتوافق الإجتماعي
   تحقق الهوايات المختلفة التي يمارسها الفرد خلال مراحل حياته لوناً جميلاً من ألوان التوافق الإجتماعي الضروري لإقامة الدعائم الرئيسية للصحة النفسية ، لذا على الشيوخ أن يكتشفوا الهوايات التي تريحهم من أعباء العمل الرتيب الذي يقومون بأدائه كل يوم ، وخاصة عندما تزداد اوقات الفراغ قبل وبعد سن التقاعد ، وبذلك يجد الشيوخ بديلاً مريحاً لنشاطهم الذي كانوا يقومون به قبل تقاعدهم .
التقاعد ومشكلاته الاجتماعية
أزمة التقاعد:
 على الرغم من بعض الناس يعتبرون أن التقاعد تحررا من عبودية العمل والإرهاق ، إلا أن الوظيفة جزء جوهري في حياتنا اليومية لما يصاحبها من أنماط محددة في السلوك تتحول مع الزمن إلى عادات راسخة ، وتؤثر في شخصية الفرد وتصبغه بصبغة اجتماعية واضحة ، فالوظيفة هي التي تحدد للفرد أوقات العمل والراحة ورفاق العمل وتؤثر في نظرته للحياة بما تفيض عليه من مكانة اجتماعية ومن شعور بالأهمية والشعور بالانتماء إلى الإطار الذي يضمه ورفاقه في نشاط مشترك .
   وعندما يدرك الفرد أنه على وشك التقاعد لكبر سنه ، فإنه يحس في أعماق نفسه بالقلق والمخاوف ، وقد يؤدي به القلق إلى الإنهيار العصبي .ومن الناس من تفاجئه الصدمة فتنهار صحته ، وذلك عندما تفرض عليه حياته الجديدة بعد التقاعد أسلوباً جديداً من السلوك لم يألفه من قبل ، ولا يجد في نفسه المرونة الكافية لسرعة التوافق والتكيف .لذا يجب أن يتهيأ لهذا التغير حتى لا يجد نفسه فجأة وقد أصبح هملاً لا فائدة ترجى منه ، بعد أن كان يظن أنه ملء السمع والبصر .
تبين دراسة (نهى السيد 1966) وهي دراسة لفئة المتقاعدين الذكور ، وأخرى ممن ظلوا يعملون بعد التقاعد .أن افتقاد المسن للعمل يؤثر على توافقه الاجتماعي .وتوصلت (هايد بريد 1976) إلى أن نسبة انعدام التوافق بين العمال أكبر منها بين الإداريين . وقد فسرت هذه النتيجة بمجموعة من الأسباب منها قلة الدخل والضعف الصحي العام وانخفاض المستوى التعليمي لدى العمال . وتوصلت (Cassidy,Louise Margaret , 1983) إلى أن التقاعد يؤثر على الروح المعنوية .أوضحت أن التقاعد هو عملية انتقال، وبناءً على ذلك وعلى مدى تقبل الفرد لهذا التحول فإن سنوات التقاعد يمكن أن تصبح مرحلة استمتاع مثل أي مرحلة أخرى من عمر الفرد .
وتوصلت ( Medina J.B 1983) إلى أن هناك فروقاً دالة في تقدير الذات والأمن الشخصي والاستقلال الشخصي بين مجموعة المتقاعدين وغير المتقاعدين .بينما لم تظهر دراستها فروقاً ذات دلالة احصائية بين المجموعتين في الكفاءة الشخصية والاستقرار الانفعالي .وقامت (امينة عبد الله 1985) بدراسة للتعرف على السمات الشخصية للمتقاعدين العاملين وغير العاملين ، وتوصلت إلى فروق ذات دلالة احصائية بين المجموعتين عند مستوى 1% في الانطواء الاجتماعي والانقباض لصالح مجموعة المتقاعدين غير العاملين .
 وفي دراسة (د.سهير كامل احمد 1998) لثلاث مجموعات من الأفراد المسنين ، المجموعة الاولى تكونت من (20) مسناً من المتقاعدين ، والمجموعة الثانية تكونت من (20) مسناً من العاملين بعد سن التقاعد (من البيئة المصرية ) وكان الاختلاف الوحيد بينهما هو متغير العمل بعد التقاعد في المجموعة الثانية .وكانت المجموعة الثالثة في عينة الدراسة من البيئة السعودية وتكونت من (20)مسناً من المتقاعدين وتماثلت مع مجموعة المتقاعدين (المصرية). وكانت نتائج الدراسة انه توجد فروق ذات دلالة احصائية بينه متوسطات درجات المسنين المتقاعدين والمسنين العاملين بعد سن التقاعد على مقياس الاكتئاب .وهكذا يتضح أن المسنين العاملين بعد سن التقاعد هم أقل شعوراً بالاكتئاب النفسي .وبما أن المجموعتين العاملين بعد التقاعد والمتقاعدين متماثلتين في جميع الخصائص فيما عدا العمل في مقابل التقاعد فمن نافل القول بان الاحباط الناجم عن حالة التقاعد هو السبب في ارتفاع نسبة الاكتئاب لدى عينة المتقاعدين بالمقارنة بعينة العاملين بعد التقاعد .
التقاعد التدريجي : خير وسيلة للتغلب على أزمة التقاعد هي التمهيد العملي والنفسي لها ، وذلك عن طريق التقاعد التدريجي الذي بيدأ في منتصف العمر وأصلح الأعمار لذلك هو سن الخمسين ،وذلك بإنقاص ساعات العمل إلى النصف ، ثم إلى الثلث ثم إلى الربع إلى أن ينتهي إلى التقاعد ، وذلك عن طريق زيادة هوايات جديدة تهييء الجو المناسب لاستغلال وقت الفراغ المتزايد بما يعود بالمتعة وعلى المجتمع بالخير.
وعلى المجتمع أن يجد عملا جديداً للمتقاعدين يتناسب مع مواهبهم وقواهم بحيث يتقاعد الفرد كمن مهنته إلى مهنة أخرى اكثر مناسبة له ، لذا من الضروري إعداد منهج تعليمي متكامل لتدريب الأفراد الذين يبلغون منتصف العمر على تحقيق مطالب النمو التي تتناسب وطبيعة حياتهم ، وعلى تكوين مهارات وهوايات جديدة تصلح لأن تملأ عليه حياته ، حتى لا يحس بالفراغ والعزلة ، وحتى لا يشعر انه اصبح عاطلاً لا فائدة ترجى منه .وفي الغرب هناك اتجاه متزايد في إقبار كبار السن على التقاعد المبكر الاختياري حيث يتوفر للفرد إدخارات تمكنه من الاستفادة من حسنات التقاعد المبكر .
التقاعد الفارق
يختلف سن التقاعد من دولة لأخرى فهو في مصر وفلسطين وإنجلترا 60 سنة وفي فرنسا 65 سنة ، وتقوم فكرة تحديد هذا السن على أسس مختلفة أهمها :
 تناقص الإنتاج نتيجة لزيادة السن مما يؤثر على العمل نفسه ، ورعاية الفرد في شيخوخته حتى يستمتع بالجزء الباقي من الحياة ، وإفساح الطريق أمام الشبان في العمل ، والترقي في السلم الوظيفي أو المهني .
 ولكن هل يجب أن يتقاعد الناس في سن واحدة ؟ وما هي الأسس التي أن تراعى في تحديد سن التقاعد المناسب لكل مهنة وكل عمل ؟
وأستطيع تلخيص أهم الأسس التي يمكن أن نعتمد عليها في تحديد سن التقاعد في النواحي التالية:
 1-العمر الإنتاجي في كل مهنة ، ومتى يبلغ الإنتاج ذروته ، ومتى ينحدر إلى نهايته الصغرى .
 2-نوع الإنتاج في كل مهنة وهل هو كمي ، أو نوعي ، أو هما معاً ؟
 3-متوسط الحياة في كل مهنة .
 4-الأمراض الشائعة في كل مهنة .
 5-مستويات التخصص الضرورية لكل مهنة .
 6-نسبة عدد المتخصصين إلى عدد الأماكن الشاغرة في كل مهنة .
 7-نسبة التوظيف ومدى اتساع المهنة في الخطط المقبلة للدولة .
 8-مدى إعاقة المسنين لعملية الترقي المهني التي يترقبها الشبان .
من أجل هذا يجب أن يختلف سن التقاعد من مهنة لاخرى ، بحيث يصبح فارقاً لا حاداً جامداً .وفي هذا كله يلعب الإرشاد دورا هاما .
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق