السبت، 9 فبراير 2013

انواع العلاقة مع الجنس الآخر

في مرحلة المراهقـة يتّضح الانجذاب إلى الجنس الآخر بصور وتعبيرات مختلفـة 
، فاهـتمام كلّ جنس بمظهره حتى يكون موضع إعجاب الجنس الآخر حالة
طبيعية ، وتصرّفات كلّ جنس بما يوحي أ نّه رجل أو إمرأة يدلّل على أنّ الخطوات
الأولى قد بدأت .

على أنّ العلاقة بين الشبان والفتيات يمكن أن تتخذ أحد أشكال ثلاثة :1 ـ الصداقة .
2 ـ الحبّ .
3 ـ الزواج .

 ـ الصداقة :

ففي عالم المراهقة والشباب هناك سؤال يطرح دائماً
هل هناك بالفعل علاقة بين الجنسين يمكن أن تسمّى صداقة كما هي الصداقةبين أبناء الجنس الواحد ؟

وحتى نجيب إجابة واقعية موضوعية عن هذا السؤال لا بدّ لنا من أن ندرس علاقة الصداقة بين أفراد الجنس الواحد ،
أي بين الشبان أنفسهم أو بين الفتيات أنفسنّ حتى نعرف ونتبيّن هل أنّ ما
بين الشاب والفتى صداقة أو شيء آخر .
فلكي أكون صديقاً لشخص لا بدّ من توافق في بعض الأفكار والآراء والأمزجة والتصرّفات .
وقد يكون ذلك متاحاً بين الجنسين ،

فلا بدّ حينئذ من البحث عن شيء آخر وهو :هل أنّ الصداقة مع شاب مثلي أو فتاة مثلي تخلق بيننا ميلاً جسدياً ،
أم أ نّها تسدّ حاجة نفسية وروحية في نفسي وفي نفسه ؟

الجواب الطبيعي على مثل هذا السؤال هو أنّ الحاجة هنا حاجة نفسية بحتةولسنا نتحدّث عن الشذوذ في العلاقات مما يسمّى بـ (المثلية الجنسية) كتلك
التي بين الذين يمارسون اللواط أو السحاق ،
وإنّما عن العلاقة بين الجنس الواحد في إطارها السويّ الصحيح .

فقد يجذبني إلى صديق حسن أخلاقه ، أو رجاحة عقله ، أو زيادة علمه ،أو ما يمتلكه من مواهب وتجارب ،
وربّما أنجذب إليه لوسامته لكنّه انجذاب إلى الجمال بصفة عامّة كانجذابي إلى
لوحة فنّية أو منظر طبيعي ،
أي أ نّه انجذاب ليس فيه شيء من الغريزة أو الشهودة أو الميل الشبيه بالميل إلى الجنس الآخر .

فهل أنّ الذي بين الشاب والفتاة هو صداقة من هذا النوع ؟الواقع الحياتي ، قبل رأي العلماء والفقهاء ، يقول ويؤكِّد أنّ صداقة كتلك التي
بين صديقين من جنس واحد لا وجودَ لها .
فحتى تلك العلاقة التي لا تعيش الانجذاب الجنسي بشكل فاقع ،
لا بدّ وأن يكون فيها قدر من الميل والعاطفة القابلة للتطوّر نحو الانجذاب
الجسدي عاجلاً أم آجلاً .
وإذاً ، لا يمكن اعتبار علاقة بين جنسين مختلفين علاقة صداقة بحتة ومجردة
وخالية تماماً من أي شعور جنسي ولو طفيف يخطر في بعض اللحظات والمواقف ،
والحديث الشريف صريح في الإشارة إلى هذا المعنى :

«ما اجتمع رجل وامرأة إلاّ وكان الشيطان ثالثهما»ولا بدّ في الصحبة والصداقة من خلوات .
وأمّا معنى أنّ الشيطان ثالثهما فهو أنّ طائفاً من الشيطان يطوف في ذهن
هذا أو ذهن هذه أثناء إختلائهما حتى ولو لم تصل الخلوة إلى درجة متطورة
من الانجذاب الجنسي .
يضاف إلى ذلك أنّ علماء الاجتماع والنفس يؤكّدون في دراساتهم الميدانية
على أنّ صداقة تزيهة بريئـة بين الرجل والمرأة أو الشاب والفتاة ليس لها واقع
عملي إطلاقاً .

 ـ الحبّ :الشكل الثاني للعلاقة بين الجنسين ما يصطلح عليه بـ (الحبّ) .
وهو شكل صريح من أشكال العلاقـة بما يكشف من الحاجة إلى الإنجذاب
الغريزي من قبل هذا الجنس نحو الجنس الآخر .

ففي فترة المراهقة تعيش الفتاة خيالات سارحة مع ما يسمّى في دنيا الحبّ بـ (فارس الأحلام) مما ترسمه القصص العاطفية والأفلام الرومانسية لشخص
يأتي راكباً فرسه الأبيض ليخطفها إلى جزيرة نائية يعيشان فيها على «خبز
الأحلام» و «شراب الأحلام» وفي «بيت الأحلام» .

كما يعيش الشابّ المراهـق حالة مماثلة من أحـلام اليقظة مع ما يطلق عليهبـ (فتاة الأحلام) حيث يترك العنان لخياله في رسم صور جميلة لا تمتّ ـ في
كثير من الأحيان ـ إلى الواقع ، لتلك الفتاة التي ستشاطره أحلامه وتقنع
بالقليل اليسير ،

وغالباً ما تكون الخواطر والخيالات عند المراهقين مستوحاة من القصصوالقصائد والروايات والأغاني والمسلسلات ،
فهي تحلِّق في أعالي الفضاء ولا تلامس أقدامها أرض الواقع ،
إذ كثيراً ما تكون صورة فارس الأحلام أو فتاة الأحلام شبحية ،
وكأنّ الحياة ليس فيها سوى الحبّ والغرام والهيام والتحليق بأجنحة الأحلام .
إنّ مرحلة المراهقة ـ بما هي انتقالة تدريجية من طفولة حالمة ـ لا تترك
رواسب الطفولة تماماً ،
ولذا فليس من المستغرب أن تكون مرحلة المشاعر الملتهبة والعواطف
المتأججة والأحلام المجنّحة غير المستقرة على حال ،

فهي مرحلة التقلّب العاطفي ،وما يراه المراهق على أ نّه حب لا يمكن أن يتغيّر أو يزول ،
ستأتي عليه الأيام فإذا هو مجرد ذكرى أو أطلال تجربة عابرة ،
ربّما يحمد الله على أ نّها لم تتحوّل إلى حقيقة ،
لأ نّها لم تكن ناضجة بما فيه الكفاية ،
وقد يصفها بعض الراشدين على أ نّها حبّ أطفال أو نزق مراهقين ،
وهو يشير بذلك إلى أ نّه حب غير ناضج .

فكيف نظر الإسلام إلى هذا اللون من الحبّ ؟إنّ الله سبحانه وتعالى لم يخلق العواطف والغرائز إلاّ ليكون لا مجال تعبّر فيه عن
نفسها ، وذلك من أجل أن نتبادلها ونتعامل بها ليزداد الترابط بين القلوب ألفة
ومحبّة ورحمة ،
ولكنّه حدّد للعواطف مسارها فالحبّ فيـه والبغض فيه ،
فلا عاطفة حب إسلامية للمشركين والكافرين والعاصين ،
بل هي لله ولرسـوله وللمؤمنين ولكلّ عمل يقرّب إلى الله .
وحدّد للغرائز إطارها الذي تتحرك فيه :
 (وَالحافِظِينَ فُرُوجهُم وَالحافِظاتِ )، 
(وَالّذينَ هُمْ لِفُروجِهِم حافِظُونَ * إلاّ على أزواجِهِم أو ما مَلَكت أيمانُهُم.والحبّ مهما عبّر عن عاطفة صادقة جيّاشة يجب أن يكون ذا عينين يبصران
المحاسن والمساوئ على حدّ سواء ،
وإلاّ فإنّه سيوقفنا فيما لا تحمد عقباه ..
وإذا صحّ القول إنّ الحبّ يعمي ويصم بحيث لا نرى من المحبوب إلاّ محاسنه ،
فإنّ الأيام كفيلة بأن تكشف الغطاء لنرى ما لم نره في أثناء الفورة العاطفية الجامحة .
ولقد اعتبر الله سبحانه وتعالى علاقة الحب بين الجنسين علاقة مودّة ورحمة ،
ولذلك فالحبّ ـ بما هو ميل عاطفي فطري ـ بين شاب وفتاة وامرأة ورجل ليس
معيباً ولا مستنكراً ولا محرّماً شريطة أن يكون عفيفاً لا يمارس المحرّم من
خلاله ، ويقود إلى العلاقة الشرعية (الزواج) .

ومهما كان حبّ الشاب للفتاة ، فإنّه لا يمكن أن يكون حبّاً خالصاً خالياً منالشهوة كحبّ شابين مؤمنين أو حب فتاتين مؤمنتين ،
فإذا أحبّ شاب فتاة تمنّاها زوجة له ، وإذا أحبّت فتاة شاباً تمنته شريكاً لحياتها
ليمارسان خلال الزواج حقّهما الطبيعي في إشباع غرائزهما التي ما خلقها الله
تعالى لنقمعها أو نتعذّب في كبتها .
أمّا الحبّ الذي هو مجرد لهو وعبث وتلاعب بالمشاعر وممارسات شهوية
محرّمة ، مما هو شائع هذه الأيام ، فهو ليس الحبّ الذي يحترمه الإسلام
ويقدّره ، إنّما هو انقلاب غريزي لم يؤطر بإطار شرعي ، وكثيراً ما قاد إلى
مصائب ومتاعب شتى .
ومثله الحبّ بالمراسلة أو عبر الهاتف والانترنت وما تصوره الأفلام التجارية ،
فهو وإن أوحى للمراهقين والشباب أنّ ثمة علاقة عاطفية راسخة ،
إلاّ أ نّه حب يغلب عليه الخيال الجموح ، ولا ينظر للعلاقة إلاّ من زاوية الغريزة
فقط ، وإلاّ فكيف يطمئنّ الشاب العاقل والفتاة الرزينة إلى أخلاق وصفات وطباع
الشخص الآخر عبر سطور رسالة ملتهبة تأتي بالبريد العادي أو الالكتروني ، أو كلمات ساخنة في أسلاك الهاتف ،

فالأصل في هذه الحالات الإخفاق والندم والكثير من التوجس والريبة والقلقالنفسي ، وإذا نجحت تجربة أو تجربتان فلا يعني ذلك أنّ النجاح حليف كلّ
التجارب العاطفية البريدية .

إنّ الحبّ الذي يعمر به قلب فتاة مراهقة ، والحبّ الذي يجشي في صدر فتى مراهق لا يخشى عليه من الكساد والفسـاد ،
فالحـب ليس بضاعة قابلة للتلف ،
فثمة متسع من وقت يمكن أن تزرع فيه هذا الحب في الأرض الطيِّبة ،

ولا يخدعنّ المراهقين والشباب ما يقوله الغرب من أنّ جسـدك ملككوأنت حرّ في التصرّف فيه كما تشاء ،
فعلاوة على ما جرّ هذا القول من قايس على كلا الجنسين ،
فإنّ الله سـبحانه وتعالى لم يرخصنا في العبث بأجسادنا بلا ضوابط ،
فهو لا يريد أن نكبت غرائزنا ولا يريدنا أن نطلق لها العنان ،
وإنّما نلبِّي حاجتها عبر القناة الطبيعية التي حدّدها لنا وهي :

 ـ الزواج :

الشكل الثالث من العلاقة بين الجنسين هو الانتظار ريثما تنضج الثمرة ويحين
موعد قطافها ،
فبدلاً من أن نرمي بكامل ثقلنا في التجربة العاطفية غير مضمونة النتائج والعواقب ،
لنترك للزمن فرصته في انضاجنا أكثر وانضاج مَن نريده ونختاره شريكاً لحياتنا ..
أي أنّ هناك سلّما للأولويات ..

قد يقول شاب أو فتاة لا يمكن تأجيل الحبّ فالقلب وما يهوى .. وهذا يعني ترك العاطفة المشبوبة تتحكّم بالقرار بدلاً من العقل الحكيم .

ومخطئ في المراهقين والشبان من يتصوّر أنّ العقل لا دخل له بالعاطفة ،أو العاطفـة لا دخل لها في العقل ،
فدفّة الحياة لا تسير في الطريق الصحيح إلاّ بجرعة من عقل وجرعة من عاطفة
، والشابّ المسلم والفتاة المسلمة لا تسيّرهما غرائزهما بل إرادتهما وعقلهم
وإيمانهما وتربيتهما ،
ولذلك نرى أنّ أخطاءهما أقل من أخطاء غيرهما من غير الملتزمين .
إنّ المزيد من التجربة والثقافة والعلم والخبرة والمعاناة ، مما لا يأتي إلاّ مع
سنوات ما بعد المراهقة ، سينفع الشاب والفتاة كثيراً في حياتهما المستقبلية
وبناء أركان بيت الزوجية على أساس معيّن .
ولسنا ندعو إلى تأخير الزواج فلذلك مضارّه الكثيرة ،
كما لا ندعو إلى التعجيل والتبكير به من قبل أن يحصل الفتى والفتاة على الحدّ
الأدنى من مستلزمات الرشد والتأهل ،

فالحبّ وحده لا يمكن أن يجمع شابين في مفتتح عهدهما بالحياة ،وقد قيل : إنّ الإنسان يمكن أن ينام بلا حبّ لكنّه لا يمكن أن ينام بلا طعام ،

فتحكيم العقل في مسائل القلب ليس إفساداً له أو تعطيلاً لمشاريعه ، إنّما هو ناصح مشفق لا يريد للقلب أن يسير معصوب العينين ،
فما يدريك فقد يتّجه بك إلى حفرة عميقة أو نار محرقة أو يرتطم بصخرة ناتئة
فتترك فيه ندوباً وجروحاً قد لا تندمل بسرعة .
إنّ مجرد البلوغ الجنسي لا يكفي كذلك لتأسيس بيت الزوجية ،
وربّما استطاع الشابان أن يؤجِّلا الحمل والولادة ،
ولكن كيف لهما أن يواجها مسؤوليات الحياة الجديدة في وقت تتزايد فيه
الدعوة إلى الإستقلال عن أسرتي الزوجين
مما يحرمهما من تجربة غنية تقلّص عناءهما في مواجهة متاعب الحياة ،
فالبيت إدارة وليس كلّ مَن دخل البيت بقادر على إدارته بنجاح .
وليس هناك تعارض بين إكمال الدراسة وبين الزواج ،
ولكن متطلبات الحياة الزوجية قد تشغل الفتاة أو الشاب عن مسؤولياته
الدراسية ،
ومن هنا جاءت فكرة إكمال الدراسة ثمّ الزواج ،
والحقيقة أنّ التحصيل العلمي وتنمية الملكات والمواهب والنزول إلى ميدان
العمل والإستزادة من الثقافة والتربية تساعد إلى حدٍّ ما في أن يكون ربّ
الاُسرة أو ربّة البيت ذا كاهلين قادرين على تحمّل الأعباء ،
بعكس ما لو دخلا بيت الزوجية وهما يجهلان التعامل معه من موقع الاُميّة أو
الجهل أو نقص التجربة .
كما يمكن للشاب وللفتاة المراهقين أن يملئا الفراغ العاطفي في هذه الفترة
بالأنشطة الاجتماعية والفكرية والثقافية والعبادية والعملية ،
بما يكتسبانه من حبّ الله وحبّ رسوله وآل بيته والمؤمنينوالوالدين والاخوة
المؤمنين والانغماس في الأعمال الصالحة والنافعة .
فتلك لا تسدّ الفراغ فحسب بل وتوجهه الوجهة المنتجة السليمة .

منقول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق