الخميس، 3 يناير 2013

المرشد ليس جلاداً أو محققاً

إن شخصية المراهق مزيج من التناقضات والأهواء غير المحددة، فهو متذبذب بين الثوران والهدوء، كما أنه اجتماعي وغير اجتماعي، حساس رحيم، وقاسي القلب كظيم، ناسك متعبد، وفي المقابل فاسق أحيانا، متفائل ومتشائم، متحمس ولا مبالي في نفس الوقت، بَرِمٌ من الحياة كئيب أحياناً، وتراه سعيداً معجباً بعضلاته وذاته أيما إعجاب أحياناً أخرى، يخضع خضوعاً أعمى لقائد الثلة أو الجماعة، ويقاوم السلطة المدرسية والوالدية، ويهوى التمرد عليها، إنه أشبه بفرس عنيد صعب المراس والترويض ولكنه في المقابل أحياناً شبيه بالحمل الوديع .كل هذا الخضم من التلاطمات والتناقضات التي لا تكاد تصدق رغم حقيقتها كلها تحتاج إلى مرشد قيم متخصص ماهر حذر يقود الركب في سلام حتى يخرج للمجتمع هو وزملاؤه المعلمون جيلاً عاملاً واثقاً من قدراته يعمل في المستقبل بثقة واطمئنان بإذن الله .ويتعامل المرشد الطلابي مع أشكال من المراهقين، حيث تتباين أشكال مراهقتهم بتباين الثقافات وظروف التنشئة والعادات الاجتماعية والمؤثرات البيئية والجغرافية التي ينتمون إليها فهناك:** مراهقة سوية: خالية من المشكلات والصعوبات، ودور المرشد فيها إنمائي - تدعيمي.** مراهقة إنسحابية : حيث ينسحب المراهق من مجتمع الأسرة ومجتمع الأقران في المدرسة وخارجها، ويفضل العزلة والانفراد بنفسه، حيث يتأمل ذاته ومشكلاته، ودور المرشد هنا أكثر مسؤولية، حيث يتولى تبصير المراهق بذاته، ويحاول أن يعيده إلى الأجواء الاجتماعية بالأساليب الإرشادية المناسبة .** مراهقة عدوانية: وهي نسبية، حيث يتسم سلوك المراهق فيها بالعدوانية على الآخرين والأشياء فيعتدي على أقرانه، ويتفاخر بتحطيم ممتلكات المدرسة، وبالاعتداء على زملائه وأخوته، ويحلو له التهكم بالمدرسين وبالوالدين، وربما يعتدي عليهم، ويتباهى بالسلوكيات المشينة وبالقوة العضلية، ويرى من نفسه بطلاً مغواراً لا يشق له غبار، ولا يقف في طريقه أي شيء، وقد يترجم ذلك خارج المدرسة بالاستعراض التهوري أو ما يسمى بالتفحيط بالسيارة، وقد يخرق الآداب العامة والأعراف المتبعة، وهنا يتضاعف دور المرشد الطلابي، إذ ليس من الصحيح أن يثبط في نفس المراهق تلك المشاعر ، لأنه قد يتحطم أو قد يزيد ذلك من ثورته وإعراضه وعناده كنتيجة عكسية، لكن المرشد الحاذق الماهر يستغل هذه الانطباعات والطاقات، ويتسامى بها، ويسخرها في الأنشطة الطلابية وخاصة تلك التي تظهر القوة العضلية، وتتيح فرصة للتباهي والاستعراض المسموح به، وإذا ما توافرت في المرشد الطلابي مهارات ترويض مثل هذا الصنف من المراهقين فسيستطيع توجيههم وإرشادهم وقيادتهم، لأن المراهق سهل الانقياد (كما ذكرنا) إذا ما وجد قائداً يرى فيه ما يشبع ما لديه من فضول،ولذا يتعين على المرشد الطلابي أن ينزل إلى مستوى تفكير المراهقين فيتفاعل معهم انطلاقاً مما يدور في أذهانهم من عظمة وشجاعة وهمية مع توجيههم نحو الهدف بالتهذيب الفطن وبالتطبيع التدريجي الحذر .وبتركيز المرشد الطلابي على متطلبات هذه المرحلة العمرية وفهمها فهماً جيداً فسوف يكون بإذن الله نعم المعين للمراهقين على تجاوز هذه القنطرة الخطرة، بالإضافة إلى توظيف ثقافته الدينية والتي يجب أن تكون واسعة لإثارة دوافع المراهقين نحو الدين، واستغلال لحظات تأملاتهم الروحية بإيحاء وغرس وتعزير المبادئ الإسلامية الحنيفة في نفوسهم .بعض الصفات الهامة للمرشد الناجح :** يركز المرشد الطلابي على الجوانب المهمة في بناء شخصية الطالب، ويتصدى لكل ما يهزها أو يصدعها.** يكون قدوة حسنة ويتوخى الأسلوب الناجع في غرس قيم واتجاهات مقبولة دينياً واجتماعيا في نفوس التلاميذ .** يتحلى بالصبر والدبلوماسية في العلاقات فيرضي جميع الأطراف ذات العلاقة من الإداريين والمدرسين والفنيين والكتبة والطلبة، ويحترم كبار السن من العاملين وأولياء الأمور .** ناضج انفعاليا ( يفضل أن يكون عمره 30سنة فأكثر) يتحكم في انفعالاته ويوظفها لخدمة الهدف الإرشادي ، ولا يتهور ولا يتعجل تشخيص الحالات ، ويتجرد من ذاته فلا يغضب أحداً ، ولا يسقط ما بداخله على الآخرين .** يحسن الظن بالناس، ويحسن الإصغاء والاستماع إلى المسترشدين، ويتمتع باللباقة والخلق الحسن والتلقائية والوضوح في الشخصية، والقدرة على كتم الأسرار، مع احترامه لذاته، ولذوات الآخرين .** لا يحمل العصا ولا يشارك في أي عملية تتعلق بالعقاب (على مشهد أو مسمع أو علم من الطلاب) لأنه ليس جلاداً ولا يمثل رمزاً للسلطة المدرسية، لكن له نظرته العلمية التخصصية في مسألة العقاب البدني أو المعنوي، وإذا كان لامناص من ذلك فليكن مناسباً لحجم المشكلة (السلوك)، كعلاج سلوكي، شريطة ألا يباشر التنفيذ بل يتنحى عن أنظار الطلاب حيثما تتولى هذه العملية إدارة المدرسة فقط في الإطار التربوي المقنن، ومشاركة المرشد الطلابي في مسألة العقاب تأتي من زاوية واحدة وهي أن يساهم في مسألة التخطيط مع اللجنة الخاصة بذلك بعيداً عن دراية التلاميذ لوضع وإقرار العقاب المدروس المناسب، أما أن يباشر العقاب بنفسه بشكل تنفيذي فهذا ليس من أخلاقيات مهنة الإرشاد، وإذا ما أقدم على ذلك فسيهدم حتماً ما بنى الطلاب حوله من ثقة، وسيفشل في النهاية لا محالة، كما أن دور المرشد في مسألة العقاب يتجلى في مساعدة الطالب في عملية الاقتناع(بعد التنفيذ) بأن ما قام به من سلوك، هو سلوك غير مرغوب، ويساعد الطالب في تقبل ذلك العقاب كشيء يستحقه .** يراعي الفروق الفردية بين الطلاب، ويحصر الحالات الفردية، والسلوكيات الجماعية، ويجري اللازم حيالها .** يعرض على زملائه المدرسين الطرق التربوية المناسبة في التعامل مع مشكلات التلاميذ دون أن يفرض نفسه عليهم ، لأن من نهجه أن يعرض ولا يفرض، وأن يطرح ولا يستعرض، وليس من خصائص مهنته أن يتقمص الشخصية الإدارية أو أن يحقق هوىً في نفسه أو مأرب شخصي. ** يتمتع باللباقة والذكاء الاجتماعي فهو لماح، مستقرئ، متفرس، ينتهز الفرص المواتية لتوصيل رسالته التربوية دون شطط .** يحترم إدارة المدرسة ويضع أفرادها في المنزلة اللائقة بهم، ويشارك في النواحي التخطيطية المتعلقة بالجوانب التوجيهية والإرشادية والنشاطية ويوظف خبرته التربوية فيما يخدم نمو التلاميذ ومواجهة حاجاتهم ومتطلبات نموهم وحل مشكلاتهم .** يتحسس مشكلات التلاميذ عن كثب ويقف على صعوبات التعلم، والتأخر الدراسي والمحافظة على التفوق الدراسي، والابتكاري، ومعالجة القصور والهفوات السلوكية، ويشارك التلاميذ أنشطتهم المختلفة، بغية تحقيق أهداف إرشادية.** لا ينزوي في مكتبه، بل يجوب أروقة المدرسة(لأهداف إرشادية ) خاصة أثناء الفسح وأثناء دخول وخروج التلاميذ، ويندمج مع زملائه المدرسين وينصت إليهم ويتحسس ما لديهم من معوقات ويحاول جاهداً تذليلها في سبيل تحسين العملية التربوية . وتغيير اتجاهات منتسبي المدرسة نحو دوره الإرشادي التربوي .بعض الأخطاء التي قد ترتكب في حق المرشد الطلابي :** تكليف المرشد بأعمال كتابية إدارية لا تدخل في نطاق اختصاصه ككتابة المحاضر والخطابات أو إعداد وتنظيم وكتابة الجدول المدرسي( مع استثناء مشاركته في الوقوف على ميول واستعدادات التلاميذ،وظروفهم) وإذا ما كلف بأعمال أو أعباء إضافية فسوف يذهب بوقته ووقت الطالب معاً ويشعره بأنه إداري وسيكون ذلك على حساب برامج التوجيه والإرشاد الطلابي .** تكليفه بالإشراف على النشاط المدرسي أو تنفيذ الرحلات أو إدارة المقصف المدرسي أو نحو ذلك: نعم إن من شأنه أن يساعد الطلاب ويلاحظ سلوكياتهم من أجل توجيههم وإرشادهم ولكنه لا يظهر كممثل للسلطة في أي موقف أو موقع مهما كان المبرر، وهناك من يكفيه هذه المهمة من منسوبي المدرسة .** تكليفه بعمل وكالة المدرسة في حالة غياب الوكيل، أو تكليف الوكيل بعملية التوجيه والإرشاد .( لأن لكلٍ طابع خاص ، وإن كان من المفترض أن يكون الإداريون ذوي صبغة تربوية إرشادية في المدارس ) .** تكليف أي شخص بالعمل في الميدان الإرشادي وهو غير محصن بالتأهيل العلمي والتدريب الكافي والنضج الانفعالي .** عدم فهم من حول المرشد في المدرسة لدوره، وعدم تهيئة الجو المناسب لأداء رسالته التربوية كإيجاد مكتب خاص به لحفظ سجلاته واستماراته واختباراته بهدف المحافظة على أسرار المسترشدين .** تكليفه بمحاسبة الطلاب المتأخرين عن طابور الصباح، وتسجيل أسمائهم، وكذا حصر الغياب اليومي، أو أخذ التعهدات من التلاميذ ونحو ذلك: نعم حضور المرشد للطابور الصباحي أمر ضروري، إلا أنه ليس من عمله حصر أسماء المتأخرين ولا الغائبين بل يدرس حالات متكرري التأخر والغياب بعد أن تصله الكشوفات من وكيل المدرسة فيقف على الأسباب، ومن ثم يشخص ويحل المشكلات بعيداً عن التقريع .** تهديد الطالب بالمرشد، أو بعثه إليه للعقاب، وفي هذا إجحاف في حق الاثنين معاً، فالمرشدون ليسوا جلادين ولا متسلطين، والطلاب ليسوا إلا متدربين في ميدان فهم الحياة، فلا ريب أن يخطئوا، وليس العقاب وحده كفيلاً بتعديل سلوكهم .** تكليف المرشد الطلابي بمتابعة انتظام المدرسين في الدخول والخروج من وإلى الفصول الدراسية أو التجسس عليهم أو معاتبتهم أو تغطية حصة من غاب أو تأخر منهم لأن هناك عادة من يجند لتغطية مثل هذه الحصص .( علما بأن المرشد يزور الفصول لأغراض إرشادية حسب اختيار الوقت المناسب وحسب ما رسمه من أهداف)** بعث الطالب إلى المرشد( دون استمارة إحالة طالب إلى المرشد) أو لأسباب أو سلوكيات لا تستحق كل ذلك، كالطالب الذي نسي أن يحضر قلمه، أو نزع ورقه من أحد دفاتره، أو تحدث إلى زميله أثناء الشرح، أو لم يحضر الواجب لمرة أو مرتين، أو بعض المشاجرات أو نحو ذلك من التصرفات التي تدخل في نطاق ضبط وإدراة المدرس لطلبة الفصل، ما لم تتكرر تلك السلوكيات بشكل ظاهر يدعو لدراسة أسبابها بروية وعمق، والمرشد الطلابي يعلم أن وقت المدرس لا يتسع لعلاج مثل هذه السلوكيات إذا ما أخذت طابع التكرار فلا يتذمر إذا ما أحيلت إليه، أما السلوكيات العابرة المعهودة والبسيطة،فيجب على المعلم أن يتعامل معها في نطاق فصله وحصته بالأسلوب التربوي المطلوب دون إهانة للطالب . وهكذا تبدو مهنة المرشد الطلابي، مهنة صدق وأمانة، وصبر ومشقة، لكنها تصبح مجالاً خصباً للأجر والمثوبة من عند الله تعالى إذا ما أُخلِصت النية، وتوجت بالإخلاص في التنفيذ والممارسة، إن مهنة الإرشاد ليست مهنة فضفاضة تتسع لمن طرق بابها ليخلد للراحة من عناء إدارة أو وكالة المدرسة أو التدريس والتحضير ورصد الدرجات ونحو ذلك، وليست فراراً من العمل إلى الكسل، إنها أمانة قبل كل شيء، ثم مسؤولية كبيرة أمام جميع الفئات داخل المدرسة وخارجها . إن مهنة الإرشاد اليوم لم تعد تسمح بالتهافت عليها دون روية أو تخصص علمي أو تدريب كافٍ .إن عملية الإرشاد أشبه بغرفة العمليات الجراحية لا تقبل ولا تغفر الأخطاء . هكذا هو التوجيه والإرشاد الطلابي علم ومهارة وخبرة وصبر وأمانة .

المرشد التربوي 
نضال جمعة السواركة 
منتدى المعلم الفلسطيني / شمال غزة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق